محسن
عدد المساهمات : 3 تاريخ التسجيل : 12/06/2010
| موضوع: من الكواكبي إلى الشعراوي...سيراً إلى الوراء 12/6/2010, 5:39 pm | |
| محسن شحاتة shehata.mohsen@gmail.com قبل أن يولد الشعراوي بنحو 9 سنوات كان الكواكبي (47 عاما) جالسا على أحد مقاهي القاهرة بالقرب من حديقة الأزبكية يتبادل الرأي مع رواد المقهي فيما يخص شئون مصر و السلطنة العثمانية. و ربما كان يراجع مسودة كتابه (العظمة لله) الذي كان ينوي نشره مع كتاب جديد اخر اسمه (صحائف قريش). لم يتمكن الكواكبي من نشر الكتابين. فقد دس له أحد عملاء السلطان العثماني السم الذي لم يتحمله جسده و مات قبل وصول الطبيب لإنقاذه.
لم يعد يتحمل السلطان كتابا جديدا للكواكبي يفضح فيه استبداده و يحرض رعاياه على النهوض والتمرد على حياة الاستعباد والذل. لقد تسببت مقالاته التي نشرت بالصحف و جمعها في كتاب نشر بعيد وفاته هو (طبائع الإستبداد و مصارع الإستعباد) في إلحاق قدر كبير من الضرر بصورة السلطان المستبد بحيث كان لابد من أن يتم التخلص من هذا الشيخ العنيد, لعل السلطان بعد ذلك يكون قادرا عن طريق شيوخ السلطة - الذين يعرضون خدماتهم على كل مستبد في كل عصر - أن يمحو أثار كلمات الكواكبي من نفوس الرعية فيعودوا مستسلمين لقدرهم و ممتثلين لحكم فقهاء السلطان الذين يفتون بأن الخروج على الحاكم المسلم لا يجوز وإن كان فاسقا أو ظالما.
كان يمكن للسلطان أن يتحمل الكواكبي كما يتحمل غيره من الناقدين لأوضاع السلطنة, ولكن مشكلة الكواكبي انه كان صريحا وواضحا بشكل مفزع. كان كالجراح الذي بيده المشرط, يضع يده حيث يكون الداء ثم يعمل مشرطه لكي ينتزع مكمن الداء من جسد الامة. مكمن الداء كما عرًفه الكواكبي (هو الاستبداد والمستبد هو من يتحكم في شئون الناس بإرادته لا بإرادتهم, وهو عدو للحق و عدو للحرية, ويود أن تكون رعيته بقراَ تحلب وكلابا تتذلل و تتملق). ثم كيف يتحمله السلطان وهو يكشف للناس عن نقطة ضعف المستبد عندما يصفه ( بأنه يخاف الرعية كما تخافه الرعية ) و يربط بين الإستبداد و سوء توزيع الثروات بين أبناء الأمة عندما يكشف عن ( أن الحكومة المستبدة تغدق على صنائعها و من يعينها على طغيانها و تتيح لهم جمع المال بالسرقة والتعدي على المال العام). لم يكتف الكواكبي بتشخيص الداء ولكن الأخطر أنه وصف الدواء الذي يقضي عليه وهو ( أن تكون الحكومة تحت المراقبة الشديدة والمحاسبة من الرعية ) وأن تكون آلية ذلك هو تطبيق نظام (الشورى الدستورية).
بعد موت الكواكبي بنحو 75 عاما كان الشعراوي راكبا سيارة شرطة مسرعة متجهة إلى مبنى الإذاعة و التليفزيون في القاهرة التي كانت تعمها الفوضى و تلبد سماءها أعمدة دخان ناتجة عن حرق إطارات السيارات و تسمع فيها طلقات الرصاص التي كان يطلقها أفراد الشرطة على متظاهرين يحتجون على قرارات إقتصادية أصدرتها حكومة مستبدة. ظهر الشعراوي على شاشة التليفزيون المصري ليقول للمصريين: إن الذي يريد أن يثور على الفساد عليه أن يبني لا أن يهدم (!!), و إذا كنتم تعارضون الحكومة فهناك قنوات شرعية للمعارضة و لإبداء الرأي (!!), ليست المعارضة أن تيسروا سبل الفوضى و النهب و السرقة (!!). هب أنكم أطهار تريدون طهارة الحكم فلماذا تمهدون للأشرار لكي ينقضوا عمل الأطهار (!!). و يوم الجمعة التالي للأحداث و من على منبر الأزهر الشريف يخطب الشعرواي في جموع المصلين و يقول لهم إن المتأمل في الاحداث التي نمر بها يجد أن سببها هو العزوف عن منهج الله (!!), و لم يقل لهم الشعراوي من الذي عزف عن منهج الله: هل هو الحاكم الذي كان الشعراوي وزيرا في حكومته ايام تلك الأحداث ام الجوعى الذين احتجوا على ظروفهم المعيشية!!.
كان الشعراوي متسقا مع فتواه بأن ( الشورى غير ملزمة للحاكم ) عندما وقف في مجلس الشعب عقب تلك الأحداث ليقول (والذي نفسي بيده لو كان الأمر بيدي لرفعت الرجل – أي السادات – الذي انتشلنا مما كنا فيه إلى قمة ألا يسأل عما يفعل). أما مبارك فهو في رأي الشعراوي واحد من اثنين: إما قدر من الله كتبه لنا فعلينا الدعاء له بالتوفيق و إما ان نكون قدره فلندعوا الله له بأن يعينه علينا !!. وفي الحالتين فإن الشعب عليه السمع والطاعة وأن على كل مصري أن يتخلى عن فكرة ان يتولى الحكم أو أن ينازع أهل الحكم حكمهم لأن الحاكم هو اختيار من الله!!
https://www.youtube.com/watch?v=2u3qbvNuJlg
ومن اللافت للنظر أن الزمن لم يكن هو الفاصل الوحيد بين الشيخين الكواكبي والشعراوي. بل يفصل بينهما ايضا اختيار كل منهما للمكان حين جاء الكواكبي من مسقط رأسه في سوريا إلى مصر طالبا الحرية و مبشرا بها, بينما كان للشعراوي اتجاه اخر حين ترك مصر الى السعودية التي قضى بها فترة 14 عاما ليعود بعدها عندما طلبه السادات ليتولى منصب وزير الاوقاف في فترة خطيرة من تاريخ مصر شهدت تحولا تاريخيا لم تكن علامته الوحيدة هو زيارة السادات لاسرائيل فيما عرف بمبادرة السلام. | |
|
Moody Admin
عدد المساهمات : 115 تاريخ التسجيل : 02/06/2010 العمر : 57
| موضوع: عبد الرحمن الكواكبى 13/6/2010, 4:13 am | |
| ولد عبد الرحمن الكواكبي عام 1854 في ولاية حلب، والده السيد أحمد بهائي بن محمد بن مسعود الكواكبي، وأحد أجداده (إسماعيل الصفوي) مؤسس الأسرة الصفوية الشيعية في تبريز، والتي حكمت إيران قرابة قرن ونصف من الزمان.
جاء السيد أحمد بهائي مهاجراً من بلاد فارس إلى حلب، حيث تزوج من سيدة حلبية أنجبت نسل الأسرة الكواكبية، كان علمه واسعاً مما جعل منه حجة في علم الميراث، وأميناً لفتوى الولاية مدة من الزمن، وعضواً بمجلس إدارة الولاية وقاضياً لها، ومستودع سر الناس ومحرر عقودهم وصكوك معاملاتهم. كان خطيباً وإماماً في مسجد جده (أبي يحيى)، ومديراً ومدرساً بالمدرسة الكواكبية، والمدرسة الشرقية والجامع الأموي بحلب.
أما أم عبد الرحمن فهي السيدة عفيفة بنت مسعود آل النقيب، ابنة مفتي أنطاكية، توفيت عند بلوغ الكواكبي السادسة من عمره، فاحتضنته خالته ثلاثة أعوام عندها بمدينة أنطاكية، وكانت سيدة فاضلة استفاد الكواكبي من كبر عقلها ونفسها الشيء الكثير، كما قامت بتعليمه اللغة التركية، وفي أنطاكية تتلمذ الكواكبي على يد عم أمه السيد (نجيب النقيب) الذي شغل منصب الأستاذ الخاص للأمير المصري الخديوي عباس حلمي الثاني.
درس عبد الرحمن الكواكبي في المدرسة الكواكبية في حلب، حيث كان أبوه مديراً ومدرساً فيها، فدرس العلوم العربية والشرعية إلى جانب المنطق والرياضة والطبيعة والسياسة، كما أحب قراءة المترجمات عن اللغة الأوروبية، وبعد تخرجه من المدرسة الكواكبية ونيله الإجازات وأعلى الشهادات، اشتغل بالتدريس مدة وكان عمره عشرين سنة.
ولما كانت الصحافة وسيلة ومنبراً رفيعاً من منابر الإصلاح، فقد كتب الكواكبي في صحيفة الفرات التي كانت تحرر بالعربية والتركية، وأنشأ صحيفة (الشهباء) مع السيد هاشم العطار، وأخذت مقالاته النارية العميقة توقظ ضمائر مواطنيه، وتفضح الاستبداد آنذاك، فأغلقها الوالي العثماني (كامل باشا). ولم يستسلم الكواكبي فأنشأ جريدة الاعتدال، وواصل فيها تقديم آرائه وأفكاره، لكنها هي الأخرى أغلقتها الحكومة لجرأة صاحبها في انتقاد سياستها.
في سنة 1879 عُين الكواكبي عضواً فخرياً في لجنة المعارف، ولجنة المالية في ولاية حلب، كما عُين عضواً في لجنة الأشغال العامة، ثم أخذت أعماله ومسئولياته تمتد إلى العديد من اللجان والمناصب في مجموعة كبيرة من القطاعات، منها تعيينه عضواً في لجنة المقاولات، ورئاسة قلم المحضرين في الولاية، وعضوية اللجنة المختصة بامتحان المحامين. ثم أصبح مديراً فخرياً للمطبعة الرسمية بحلب، ثم الرئيس الفخري للجنة الأشغال العامة ثم دخل إلى ساحة القضاء عضواً بمحكمة التجارة بالولاية بأمر من (وزارة العدلية) العثمانية، عًين رئيساً للغرفة التجارية ورئيساً للمصرف الزراعي، ثم عُين رئيساً لكتاب المحكمة الشرعية بالولاية، وفي سنة 1896 أصبح رئيساً لكل من غرفة التجارة ولجنة البيع في الأراضي الأميرية.
رحل إلى مصر واستقر هناك وكتب في كثير من الصحف المصرية والعربية. ساح في سواحل أفريقيا الشرقية وسواحل آسيا الغربية وبعض بلاد العرب والهند حتى سواحل الصين، وكان في كل بلد ينزلها يدرس حالتها الاجتماعية والاقتصادية في مختلف المجالات.
يعتبر الكواكبي رائداً من رواد التعليم، حيث دعا إلى إصلاح أصول تعليم اللغة العربية والعلوم الدينية وتسهيل تحصيلها والجد وراء توحيد أصول التعليم وكتب التدريس، وقدم الكثير من الأسس لاعتمادها في مجال التربية والتعليم، ودعا إلى فتح باب محو الأمية، وبين دور المدارس في إصلاح المجتمع. كما ركز على أهمية تعليم المرأة كي تجيد رسالتها في الحياة.
كما يعتبر الكواكبي أحد أعلام الحركة الإصلاحية، فوجه جهوده إلى العمل الأخلاقي، وكافح العادات السيئة والتقاليد البالية، ونقد المعتقدات الفاسدة، وبذل السعي المتواصل لنشر الفضائل والتمسك بها للنهوض بأخلاق المجتمع، فقام بتشكيل الجمعيات والنوادي في القرى والمدن لتقوم بدور التوعية والتثقيف للجمهور، كما رد فساد الأخلاق إلى انحلال الرابطة الدينية والاجتماعية وفقد التناصح وغياب الأخلاق (فلمثل هذا الحال لا غرو أن تسأم الأمة حياتها فيستولي عليها الفتور، وقد كرت القرون وتوالت البطون ونحن على ذلك عاكفون، فتأصل فينا فقد الآمال وترك الأعمال والبعد عن الجد والارتياح إلى الكسل والهزل، والانغماس في اللهو تسكيناً لآلام أسر النفس والإخلاد إلى الخمول والتسفل طلباً لراحة الفكر المضغوط عليه من كل جانب... إلى أن صرنا ننفر من كل الماديات والجديات حتى لا نطيق مطالعة الكتب النافعة ولا الإصغاء إلى النصيحة الواضحة، لأن ذلك يذكرنا بمفقودنا العزيز، فتتألم أرواحنا، وتكاد تزهق روحنا إذا لم نلجأ إلى التناسي بالملهيات والخرافات المروحات، وهكذا ضعف إحساسنا وماتت غيرتنا، وصرنا نغضب ونحقد على من يذكرنا بالواجبات التي تقتضيها الحياة الطيبة، لعجزنا عن القيام بها عجزاً واقعياً لا طبيعياً). أم القرى
كان عبد الرحمن الكواكبي واحداً من المفكرين العرب الذين كشفوا عن أسباب الجمود الذي خيم على العالم الإسلامي، وقارن ذلك بحالة التقدم التي وصل إليها الأوربيون في العصور الحديثة، والتي مكنتهم من الهيمنة على أجزاء واسعة من العالم الإسلامي.
قال في كتابه أم القرى: (إن مسألة التقهقر بنت ألف عام أو أكثر، وما حفظ عز هذا الدين المبين كل هذه القرون المتوالية إلا متانة الأساس، مع انحطاط الأمم السائرة عن المسلمين في كل الشؤون، إلى أن فاقتنا بعض الأمم في العلوم والفنون المنوَّرة للمدارك، حزبت قوتها فنشرت نفوذها على أكثر البلاد والعباد من مسلمين وغيرهم، ولم يزل المسلمون في سباتهم إلى أن استولى الشلل على كل أطراف جسم المملكة الإسلامية).
نشر الكواكبي آراءه وأفكاره في أهم كتابيه، أم القرى: وهو كتاب يدور موضوعه حول مؤتمر تخيله الكواكبي ليعرض فيه آراءه الإصلاحية في قالب جذاب يستهوي النفوس، وأغلب مواضيعه في نقد الشعوب الإسلامية.
أما كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، مواضيعه في نقد الحكومات الإسلامية (الاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان؛ التي تتصرف في شؤون الرعية كما تشاء؛ بلا خشية حساب ولا عقاب). (ويقولون إن المستبدين من السياسيين يبنون استبدادهم على أساس من هذا القبيل أيضاً؛ لأنهم يسترهبون الناس بالتعالي الشخصي والتشامخ الحسي، ويذللونهم بالقهر والقوة وسلب الأموال حتى يجعلونهم خاضعين لهم عاملين لأجلهم، كأنما خلقوا من جملة الأنعام نصيبهم من الحياة ما يقتضيه حفظ النوع فقط). (أنفع ما بلغه الترقي في البشر هو إحكامهم أصول الحكومات المنتظمة، وبناؤهم سداً متيناً في وجه الاستبداد وذلك بجعلهم لا قوة فوق الشرع، ولا نفوذاً لغير الشرع، والشرع هو حبل الله المتين، وبجعلهم قوة التشريع في يد الأمة، والأمة لا تجتمع على ضلال، وبجعلهم المحاكم تحاكم السلطان والصعلوك على السواء).
في عز العطاء والنضال، ويوم نضجت أفكار الكواكبي وبدأ عطاؤه وتأثيره الذي وجد فيه الأتراك معولا يدك تسلطهم، وينبه الناس إلى فساد أحوالهم، ويدفعهم للثورة والتحرر ابتغاء للتقدم. في القاهرة وُضع السم للكواكبي في طعامه، وكانت وفاته في سنة 1902.
تتركز أعمال الكواكبي الفكرية في:
1ـ الصحافة، حيث كتب المقالات والأبحاث الكثيرة في الكثير من الصحف العربية التي عاصرها.
2ـ كتبه أم القرى، وطبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد. | |
|
Moody Admin
عدد المساهمات : 115 تاريخ التسجيل : 02/06/2010 العمر : 57
| موضوع: مخطوطات عبد الرحمن الكواكبي «المخيفة» ظهرت في الأرجنتين! 13/6/2010, 4:39 am | |
| ما هو أكيد أن المفكر الكبير عبد الرحمن الكواكبي، يوم رحل عن هذه الدنيا مطلع القرن الماضي، ترك وراءه كتابات ومخطوطات لا يمكن الاستهانة بها، بقيت طي الكتمان، ولم تنشر إلى اليوم. ورغم ان كتابا وصحافيين عدة، كتبوا يومها عن مخطوطات له، في جعبتهم، ينوون نشرها إلا انهم لم يفعلوا، ربما إهمالاً، وعلى الأرجح خوفا من السلطان الجائر. هذا يعني ان الكثير مما كتبه الكواكبي ما يزال مجهولاً،
ولكن المثير في الأمر ان الجزء اليسير الذي نشر، مما تركه الكواكبي مخطوطاً، لم يكن في أي دولة عربية او أوروبية وإنما في صحيفة أرجنتينية تسمى «السلام» كان صاحبها يقيم في الأوروغواي. وقد نشرت هذه الجريدة للكواكبي، بعد وفاته بعشر سنوات، مقالات أو دراسات، قريبة جداً في روحها من كتابه «طبائع الاستبداد»، نلقي الضوء عليها هنا، وعلى ما جاء فيها، متسائلين، عن سر اختفاء مخطوطات الكواكبي. «الرحالة ك» ظلمه الاغتراب حياً وميتاً جان دايه بُعيد وفاة عبد الرحمن الكواكبي في القاهرة بتاريخ 13 يونيو 1 حزيران 1902، رثاه معظم الصحافيين والادباء المصريين والشوام، ولم ينسَ بعضهم ان ينوه بوجود آثار للفقيد الشهيد ـ سمم له الخديوي عباس الثاني بايعاز من السلطان عبد الحميد ـ ووعدوا بنشرها في دورياتهم. وقد كتب محرر مجلة «نور الاسلام» في 21 يونيو 1902: «سننشر فصولا من انوار عرفانه بالتتابع في مجلتنا». واضاف في مكان آخر من الرثاء: «سنزين نطاق المجلة في الاعداد التالية بما وعدنا بنشره». وختم محرر «الاهرام» رثاءه المنشور في 13 يونيو 1 حزيران 1902 بقوله: «اذا كان الفقيد قد مضى، فإن له آثارا مخلدة تنفع الشرق والشرقيين، وكتابات لا تزال تنشر». وينقل الحفيد سعد زغلول الكواكبي في كتابه المتمحور على سيرة جده رثاء الصحافي اللبناني المتمصر ابراهيم سليم النجار وقد ورد فيه: «ذهب الرجل الذي يضع تاريخ ثورات العالم في كتاب يكون للامم المستعبدة مثل الباب تدخل منه الى بيت الحرية المنير». وبعد حوالى العام من رحيله، وعد بشير يوسف (الانطاكي) في العدد الاول من جريدته «القاهرة»، الصادر في 11 ابريل 1 نيسان 1903 انه سينشر «بعض مؤلفات الكواكبي غير المنشورة» في اعداد لاحقة من جريدته. وفي الجزء الثاني من مذكراته.. يقول محمد كرد علي: «اما كتاب «العظمة لله» فهو كتاب سياسي كسائر ما خطته يمينه. وقد قرأ لي مقدمته». وينوه احد ابناء الكواكبي (اسعد) في رسالة الى اخيه رشيد بمخطوطة «الانساب» التي اخذها محمد رشيد رضا. ويشير الكواكبي نفسه في مستهل كتابه «ام القرى» الى مخطوطة «صحائف قريش». ويؤكد ابنه اسعد ان المخطوطة كانت معدة للطبع، ولكن رحلات والده ثم موته، تسببت في فقدانها. وفي كتابه «دليل مصر والسودان» يقول صديق الكواكبي الصحافي والاديب الحلبي عبد المسيح الانطاكي «لدينا نحن بعض ما ترك - الكواكبي- من نفثات اقلامه مما لم يطبع بعد. وربما نشرنا قسما منها في دليل السنة القادمة ان شاء الله». وباستثناء بعض المقالات التي نشرها رضا في مجلته «المنار»، وبعض الاحاديث التي تذكّرها عبد المسيح الانطاكي ونشرها في جريدة اخيه «القاهرة» وذيّلها بتوقيع «نديم الكواكبي»، فإن شيئا من تلك الكتابات لم ينشر، لا في الدوريات، ولا في كتب مستقلة. وربما يعود ذلك الى ان الزملاء الذين وعدوا بنشر نتاج الكواكبي الموجود في ارشيفهم، كانوا يقيمون في مصر، ويصدرون دورياتهم في القاهرة، حين كان خديوي مصر وقتذاك خصما للكواكبي، او بالاحرى اصبح كذلك بعد ان زار اسطنبول وتصالح مع سيد قصر يلدز. اما الجزء الاخر المفقود من مخطوطات الكواكبي، فمن المفترض انه يقيم سعيدا في محفوظات تركيا لمرحلة الحقبة العثمانية. ولكن، اذا كان متعذرا نشر بعض نتاج الكواكبي في مصر، وخلال حكم الخديوي اسماعيل الثاني، فان النشر في دولة اخرى، او بعد سنوات من استشهاد الكواكبي، يمكن ان يكون قد حصل. وانطلاقا من هذه الفرضية، فتّشت عدة مجلدات لدوريات عربية قديمة، صدرت في القارة الاميركية، ومنها جريدة «السلام» الارجنتينية. وعثرت في الاخيرة على سلسلة مقالات مذيّلة بتوقيع مستعار: «الرحالة ك». والجدير ان هذا التوقيع توّج به الكواكبي كتابه «طبائع الاستبداد». افتتح الرحالة دراسته المهداة «الى الامة العربية الكريمة» بمقدمة طرح فيها عدة تساؤلات على غرار ما فعله في الصفحات الاولى والاخيرة من كتابه «طبائع الاستبداد». ولنقرأ نماذج من تلك التساؤلات: 1- هل يجب ان تخضع الامة لهذه القوة - أي الحكومة - خضوعا مطلقا لا حدّ له او ان هذه الامة تحدد لنفسها دائرة نظامية تخضع فيها لهذه القوى خضوعا يكون من ورائه حفظ توازنها المدني وعدم خروج اعضائها من هذه الدائرة النظامية؟. 2- هل من واجب هذه القوة ان لا تتحرك الا فيما يعود على الامة بالنفع العام او انها حرة في التحرك الى ما تهوى ولو ناقض ما تهواه مصالح الامة ومرافقها؟. 3- وهل ينزع من جسم الامة الجاهلة قوة حاكمة صالحة؟ 4- وكيف تكون حال الحكومة من الاستبداد والفوضى، اذا كانت الامة جاهلة كما تكون حال الحكومة التي تكون امتها عالمة عارفة بحقوقها من النظام والرقي والشعور بقوة هذه الامة وبأسها؟ 5- وكيف تسوي الامة ادارتها الصحيحة؟ وما هي الوسائل التي تدوم معها وفيها؟ أيجب ان تخضع لحكومة يحركها فردا؟ أم يجب ان يكون الامر شورى؟ وكيف يكون الامر شورى بين افراد الامة؟ 6- وما احدث النظامات التي وصل اليها علم الاجتماع لتكوين الافراد والجماعات والحكومات؟ وما يجب ان يكون عليه الحاكم حين وقوع امته في انياب التغلب الاجنبي؟ وما واجبات الامة ازاء ذلك وحين خروج حاكمها في شرعته عن النهج الاستقلالي؟ 7- وعلى ذكر الامة، فقد تساءل الكاتب: «ما الامة؟ هل هي قطيع من الغنم لراع له حق رعايتها المطلقة، فيحركها بما يريد الى ما يريد؟ وهل هي مجموعة عبيد لحاكم له حق التصرف في اموالها وارواحها بذلا وحرمانا، سجنا واطلاقا او هي جمع نام له روابط اجتماعية ولغة ودين ووطن؟». ان التساؤلات الآنفة وغيرها الكثير مما لا مجال لايراده هنا، يجد قارىء الكواكبي، خصوصا في كتابه «طبائع الاستبداد»، شبيها لها، ليس فقط بالمضمون، وانما بالشكل ايضا. وعلى سبيل المثال، يقول الكواكبي في فصل «الاستبداد والتخلص منه»: «ما الامة؟ هل هي ركام مخلوقات نامية او جمعية عبيد لمالك متغلّب وظيفتهم الطاعة والانقياد ولو كرها او هي جمع بينهم روابط دين او جنس او لغة ووطن؟». لم يكتفِ الرحالة في طرح التساؤلات والاجابة عن ثلاثة منها وباختصار، كما فعل في «طبائع الاستبداد»، بل هو اجاب بالتفصيل عن كل سؤال كما وعد في ختام المقدمة حيث قال: «اما كون الامة جمعا ناميا له حقوق مشتركة وروابط اجتماعية ولغة دين ووطن، فسنفصله في المقال الآتي ان شاء الله. أما المصطلحات فاكتفي بثلاثة منها: الامة اي «الشعب»، «مبحث»، «حبا في التمجد لا ولوعا بالمجد الصحيح». وكلمة «مبحث» تتصدر كل مقطع من فصل «الاستبداد والتخلص منه». وعبارة «ما الامة اي الشعب» تتوج المبحث الاول. واستعمل مصطلحي «المجد» و«التمجد»، عشرات المرات في فصل «الاستبداد والمجد». ولكن، من يكون ناشر هذه الكتابات الكواكبية بعد اكثر من عشر سنين من رحيل الكواكبي؟ ولماذا اقام في الاوروغواي، ورغب في ان ينشر تلك المقالات في «السلام» الارجنتينية؟ وما سرّ تذييله او تتويجه لها بالتوقيع المستعار «الرحالة ك» وليس بالاسم الصريح عبد الرحمن الكواكبي؟ كانت «السلام» من ابرز الدوريات العربية التي اصدرها الشوام في دنيا الاغتراب. اضف الى ذلك ان سياستها تتماهى، بخطوطها العريضة، مع سياسة الكواكبي الاصلاحية خصوصا في الحقل السياسي- الاجتماعي. لذلك آثر من كانت المقالات بجعبته، ويرجّح انه «نديم الكواكبي» او الصحافي والكاتب الحلبي عبد المسيح الانطاكي، ان ينشرها في هذا المنبر الاعلامي المرموق والتقدمي. ونزيل الاوروغواي اصرّ على نشرها بتوقيع الكواكبي المستعار «الرحالة ك» ليصيب عصفورين بحجر واحد: مارس الامانة في نشر النص كما هو وباسم صاحبه المستعار... ودخل بوابة «السلام» التي فتحها «الرحالة ك» عبر دراساته العميقة في علمَيْ السياسة والاجتماع، فتابع نشر نتاجه هو في «السلام» مستعيراً اسم الكواكبي المستعار بلا استئذان. | |
|
Moody Admin
عدد المساهمات : 115 تاريخ التسجيل : 02/06/2010 العمر : 57
| موضوع: هذا قبر الكواكبى! 13/6/2010, 4:46 am | |
| | |
|