مدخل للعلم
العلم مفهوم عام يشمل النظريات والتطبيقات العملية للمعارف المنَّظمَة التي تم جمعها وتصنيفها، أو اكتشافها وتطويرها، ودراسة العلاقات بينها، ضمن مناهج وطرائق محددة. ويدرسُ العلماء أنواعاً مُختلفة من الموضوعات. فعلى سبيل المثال، يبحث بعض العلماء عن دلائل على أصل الكون، ويفحص آخرون تركيب الجزيئات في خلايا الحيوانات والنباتات الحيّة. وآخرون يتحروّن عن مُسببات سلوكنا، أو يحاولون حل المشاكل الرياضية المعقّدة. ولكن مهما تعدّدت المجالات التي يعملون فيها، فإنّ العلماء كلهم إنما يستكشفون الطرق التي يعمل بها العالم.
يستعمل العلماء أساليب علمية لتسجيل المشاهدات وتجميع الحقائق. ثم يعملون بعد ذلك على تطوير نظريات تساعدهم في ترتيب الحقائق المترابطة أو توحيدها. وتتكون النظريات العلمية من مبادئ أو قوانين عامة تحاول تفسير الكيفية التي حدث أو يحدث بها شيءٌ ما وسبب حدوث ذلك. ويتقدّم العلمُ عندما يتراكم لدى العلماء الكثير من الحقائق المفصلة، ويتوافر لهم فهمٌ أفضل لهذه القوانين والمبادئ الأساسية.
ولايمكن لنظرية يقترحها عالم أن تُقبل باعتبارها جزءًا من المعرفة العلمية ما لم يتم التحقُّق من صحتها من خلال دراسات الباحثين الآخرين وتجاربهم. وفي الحقيقة، فإن أية معرفة كي تكون علمية، ينبغي أن تُفحص بالتجربة مراراً ليبرهن على صحتها. هذه الصفة المميزة للعلم تضعه بمعزلٍ عن فروع المعرفة الأخرى. فالعلوم الإنسانية التي تشمل اللغات والفلسفة والفنون مثلاً، تتعامل مع الأفكار المتعلقة بالطبيعة الإنسانية ومعنى الحياة. هذه الأفكار لا يمكن البرهنة على صحتها علميًا. فليس ثمة فحصٌ يخبرنا إن كان نظام فلسفي معين صحيحًا. وليس بمقدور امرئ أن يحدّد بطريقةٍ علمية المشاعر التي حاول فنان ما التعبير عنها في لوحته، مثلما لا يستطيع أحدٌ أن يقوم بتجربة للبحث عن خطأ في قصيدةٍ شعرية أو سيمفونية.
ويختلف العلمُ أيضاً عن أنواع المعرفة الأخرى في حقيقة أنّ التقدُّم العلمي يعتمد على أفكار جديدة تطور الأفكار القديمة أو تحل محلّها. والأعمال الفنية العظيمة التي يتمّ إنتاجها الآن، لا تحلّ محلّ روائع الماضي الفنية، ولكن نظريات العلماء المعاصرين أعادت النظر في العديد من الأفكار التي آمن بها العلماء الأوائل. وقادت المشاهدات والتجارب المتكرّرة العلماء إلى تحديث النظريات الموجودة واقتراح نظريات جديدة. وباستمرار الاكتشافات الجديدة، فإنّ المزيد من النظريات العلمية الحديثة سوف يؤول إلى القدم، ويجب أن يتمّ استبدال نظريات أفضل بها تستطيع أن تُفسر المزيد من الحقائق. وبهذه الطريقة، فإن المعرفة العلمية في نموٍ وتطور مستمرين.
أهمية العلم
للعلم تأثير هائل على حياتنا. فهو يوفر أساس التقنية الحديثة: المعدات والمواد والتقنيات ومصادر الطاقة التي تجعل حياتنا وأعمالنا أكثر سهولةً. ويستعمل مصطلح العلم التطبيقي في بعض الأحيان للدلالة على البحث العلمي الذي يركز على تطوير التقنية. وتساعد اكتشافات العلماء أيضًا على تشكيل تصوراتنا عن أنفسنا ومكاننا في الكون.
التقنية الحديثة تؤدي دورًا رائدًا في معظم مجالات البحث العلمي. يستغل عالم الفيزياء أعلاه اللّيزر (أشعة ضوئية مركّزة) في قياس سرعة تيار هوائي.
أهمية العلم في حياتنا اليومية. غيّر العلم الحديث والتقنية حياتنا بطرق مثيرة عديدة. فالطائرات والسيارات وأقمار الاتصالات والحواسيب واللدائن والتلفاز ما هي إلا بعض الاختراعات العلمية والتقنية التي غيّرت الحياة الإنسانية. وقادت أبحاث فيزيائيي الذرة إلى تطوير الطاقة النووية لتكون مصدرًا من مصادر الطاقة. وتصاعد الإنتاج الزراعي عندما طور العلماء سلالات جديدة من النباتات وأسمدة أكثر كفاءةً. وساعد اختراع المضادات الحيوية والأدوية الجديدة الأخرى في السيطرة على العديد من الأمراض المُعدية. وأدت الدراسات في علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء إلى تقنيات جراحية جديدة مدهشة، وإلى اختراع آلات إنقاذ الحياة ـ بإذن الله ـ التي بمقدورها القيام بوظائف بعض الأعضاء البشرية مثل الرئة والكلية والقلب.
ورغم أن الإنجازات العلمية قد نفعتنا بطرق عديدة، إلا أنّها أوجدت لنا مشاكل خطرة أيضًا. فالنمو السريع للتقنية الصناعية، على سبيل المثال، أدّى إلى نتائج جانبية خطيرة كالتلوث البيئي ونقصان الوقود. وقادت الإنجازات المتحققة في الأبحاث النووية إلى تطوير أسلحة الدمار الشامل. وتراود بعض الناس المخاوف من أن البحث الأحيائي المتقدم سوف يُنتج جراثيم وفيروسات جديدة مُسبّبة للمرض ومقاومة للأدوية. كما يُساور الناس قلقٌ من أنّ أنظمة المعلومات قد تؤدّي إلى تدمير الخصوصية الشخصية.
أدّت التأثيرات الضارة لبعض التطبيقات التقنية للعلم ببعض الناس إلى التشكيك في قيمة البحث العلمي. ولكن العلم في حد ذاته ليس صالحًا كله أو طالحًا كله، بل إن الاستخدامات التي يختارها رجال الأعمال والحكومات والأفراد للمعرفة العلمية هي التي تُحدد إن كانت تلك المعرفة ستساعد المجتمع أو تلحق به الأذى. لمناقشة أكثر تفصيلاً عن منافع التقنية وتأثيراتها الجانبية
أهمية العلم في الفكر الفلسفي. أثر العلم كثيراً على الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا وإلى العالم من حولنا. ففي العصور القديمة، كان أغلب الناس يعتقدون أن الأحداث الطبيعية وكل شيء آخر مما يقع لهم، صادر عن تأثير الأرواح. فعلى سبيل المثال، كانوا يعتقدون أن الأرواح الغضبى والأرواح الشريرة تُسبب الأمراض.
كان الإغريق القدامى من بين أوائل الذين بادروا إلى استعمال المشاهدات النظامية والتعليل في تحليل الظواهر الطبيعية. ومع التطور التدريجي للتفكير العلمي، اتجهت المشاهدات إلى الطبيعة باعتبارها نتاجًا لقوى روحية غامضة تتضاءل تدريجيًا. وبدلاً من ذلك، بدأ الناس يشعرون بأن الطبيعة يمكن فهمها والسيطرة عليها من خلال العلم.
وأثرت الاكتشافات العلمية على نحوٍ متزايدٍ عبر السنين في الفكر الفلسفي حول طبيعة الإنسان وموقعه في الكون. ففي أواسط القرن السادس عشر الميلادي، على سبيل المثال، اعتقد الفلكي البولندي نيكولاس كوبرنيكوس أن الأرض والكواكب تدور حول الشمس. وبرغم أن نظريته أثبتت صحتها لاحقًا، فإنها أثارت معارضةً قويةً بين الفلاسفة ورجال الكنيسة في ذلك الوقت، إذ كانوا يعتقدون منذ فترة طويلة من الزمن، أن للأرض والبشر الذين عليها، أهمية خاصة، لأن الشمس والنجوم والكواكب تدور حول الأرض.
وأثارت النظريات التي طرحها عالم الطبيعة البريطاني تشارلز داروين في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي جدلاً فلسفيًا ودينيًا عنيفًا؛ إذ عارض بعض الفلاسفة ورجال الدين فكرة داروين التي تُفيد بأن كل أنواع الحيوانات والنباتات قد تطورت (نشأت تدريجيًا) من قلة من الأسلاف المشتركين. وأكدوا أن نظرية النشوء والارتقاء هذه تناقض الاعتقاد بأن الله خلق البشر، وأسبغ عليهم ميزات عاطفية وذهنية خاصة. وما يزال هذا الجدل مستمرًا حتى وقتنا الحاضر في مجالات علمية كثيرة. انظر: الانتخاب الطبيعي. وفي أواخر القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين الميلاديين، طرح الطبيب النمساوي سيجموند فرويد نظرية مفادها أن حوافز اللاوعي تُسيطر على الكثير من جوانب السُّلوك الإنساني. وقد أثارت أبحاثه وكتاباته أسئلة جادة عن المدى الذي يمتلك فيه الناس إرادة حُرة، ويكونون مسؤولين عن تصرفاتهم.
ومنذ عام 1900م، بدأت نظريات علمية جديدة تغير وجهات النظر الفلسفية حول طبيعة الواقع، وحدود قدرتنا على مراقبته بدقة. ففي عام 1905م، على سبيل المثال، نشر الفيزيائي الألماني المولد ألبرت أينشتاين نظريته الخاصة عن النسبية. وقد غيرت نظريته على نحو مثير، بعضًا من أهم الأفكار الأساسية المتعلقة بالزمان والمكان والكتلة والحركة؛ إذ نصت، على سبيل المثال على أن مشاهداتنا للزمان والمكان ليست مطلقة، فهي تتأثر بحركة المشاهد.
فروع العلم
يمكن تقسيم الدراسة العلمية إلى أربع مجموعات رئيسية: 1- الرياضيات والمنطق 2- العلوم الطبيعية 3- علوم الحياة 4- العلوم الاجتماعية. وضمن هذه التقسيمات الرئيسية هنالك العديد من المجموعات الصغيرة ذات الاختصاصات المتقاربة. فعلم الإنسان وعلم النفس وعلم الاجتماع، على سبيل المثال، علوم سلوكية تتضمنها مجموعة العلوم الاجتماعية. وعلم الأرض وعلم الأرصاد الجوية وعلم الجغرافية الطبيعية وعلم المحيطات الطبيعي تتجمع معًا تحت اسم علوم الأرض ضمن مجموعة العلوم الطبيعية.
وبنمو المعرفة العلمية وتعقدها على نحو متزايد، ظهر العديد من مجالات الدراسة الجديدة. وفي الوقت نفسه، فإن الحدود الفاصلة بين المجالات العلمية أصبحت أقل وضوحًا، إذ تداخل العديد من مجالات العلوم وأصبح صعبًا، في كثير من الأحيان، تحديد نهاية أحد العلوم وبداية آخر. فكل من الكيمياء والفيزياء يتعامل مع تركيب الذرة، وكل من علم الإِحاثة وعلم الأرض يدرس عمر صخور الأرض. ولقد تحقق العديد من أهم الإنجازات العلمية من تبادل الأفكار والوسائل بين فروع العلم المختلفة.
وفي بعض الحالات، أصبحت العلوم تتداخل كثيرًا إلى حد نشوء مجالات متداخلة، تربط بين أجزاء من علمين أو أكثر. فعلى سبيل المثال، تربط الكيمياء الحيوية بين أجزاء من حقلي الأحياء والكيمياء في دراسة العمليات الكيميائية التي تحدث في الحيوانات والنباتات الحيّة. ويعتمد علم الأرض الاقتصادي على الاقتصاد وعلم الأرض في التحري عن توزيع المصادر الطبيعية كالذهب والفضة والنفط.
الرياضيات والمنطق.
لا تعتمد الرياضيات والمنطق على الفحص التجريبي، ولكن يمكن اعتبارهما جُزءًا من العلم؛ لأنهما وسيلتان أساسيتان في كل الدراسات العلمية تقريبًا؛ إذ تُمكّن الرياضيات العلماء من إعداد صياغات دقيقة لنتائج أبحاثهم ونظرياتهم، وتقديم توقعات رقمية عما يُمكن أن يحدث في المستقبل. ويوفر المنطق أساس كل التعليل العلمي.
وللرياضيات العديد من الفروع الرئيسية وهي: علم الحساب، الذي يوفر أساس العديد من فروع الرياضيات الأخرى. وهو دراسة الأعداد وأساليب الحساب بها. ويشتمل علم الجبر على حل المعادلات، وهي جملٌ رياضية تنصّ على تساوي عبارتين جبريتين. وفي المعادلات الجبرية، تُستعمل الحروف لتمثيل الكمّيات المجهولة. ويُستعمل حساب التفاضل والتكامل في حل المسائل المتعلقة بالكميات المتغيرة. ويهتم علم الهندسة بالعلاقات الرياضية للنقاط والخطوط والزوايا والسطوح والأجسام الصلبة في الفراغ. ويتعامل علم الاحتمالات مع درجة احتمال وقوع حدث معين، ويُستعمل الإحصاء في تحليل مقادير كبيرة من المعلومات الرقمية بحثًا عن اتجاهات ذات دلالة.
ويعتمد التعليل العلمي على كل من المنطق الاستنتاجي والمنطق الاستقرائي. فباستعمال المنطق الاستنتاجي، يستنتج العالم من قواعد أو مبادئ علمية معروفة استنتاجًا يتعلق بسؤال محدّد، وتعتمد دقة استنتاج العالم على دقة القواعد أو المبادئ المستعملة واكتمالها؛ بينما يتطلب المنطق الاستقرائي من العالم أن يقوم بمشاهدات متكررة لتجربة أو حدث ما، ومن تلك المشاهدات العديدة، يُمكن للعالم أن يكّون استنتاجًا عامًا.
فلكيُّ يُعد تلسكوب
العلوم الطبيعية. تتفحص العلوم الطبيعية طبيعة الكون، فهي تدرس بنية المادة الجامدة وصفاتها، من الذرات الضئيلة إلى المجرات الشاسعة، وتضم العلوم الطبيعية: 1- علم الفلك 2- الكيمياء 3-علم الأرض 4- علم الأرصاد الجوية 5- علم الفيزياء.
علم الفلك يدرس المذَنَّبات والنيازك والمجّرات والكواكب والنجوم والأجسام الفضائية الأخرى. ويرسم الفلكيون خرائط لمواقع الأجسام السماوية ويتحرَّون العمليات الفيزيائية والكيميائية التي تحدث فيها. كما يدرسون بنية الكون وتركيبه وحجمه وتاريخه.
الكيمياء تدرس المواد الطبيعية والاصطناعية لتحديد تراكيبها ومكوناتها والتغيرات التي تحدث عندما تتحد مع بعضها لتشكل مواد أخرى. ويفصل الكيميائيون الجزيئات عن بعضها، ثم يعيدون وضعها مترابطة بطرائق جديدة، ويحاولون اكتشاف أسباب حدوث التفاعلات الكيميائية وكيفية التحكم فيها. تتعامل الكيمياء العضوية مع أغلب المركبات التي تحتوي على عنصر الكربون، في حين تهتم الكيمياء اللاعضوية بكل المركبات الأخرى، وتدرس الكيمياء الإشعاعية المواد المشعة واستعمالاتها، بينما تفحص الكيمياء المجسمة الصفات الكيميائية المختلفة التي تنتج عندما تختلف مركبات ذات صيغٍ متطابقة في الموقع النسبي لذراتها في الفراغ ثلاثي الأبعاد. وتدرس الكيمياء الفيزيائية تأثيرات الضوء والحرارة وأشكال الطاقة الأخرى على العمليات الكيميائية.
الجيولوجيا تدرس تركيب الأرض وبنيتها وتأريخها. ويحلل الجيولوجيون الكيفية التي تغير بها قوى مثل الزلازل والانفجارات البركانية والتعرية الناتجة عن الرياح أو الماء، سطح الأرض. كما يدرسون النيازك والمواد التي جُلبت من القمر. وتضم فروع الجيولوجيا علم الصخور الذي يُعْنَى بدراسة الصخور، وعلم المعادن الذي يدرس المعادن، وعلم الزلازل الذي يُعنى بدراسة الهزّات الأرضية، وعلم التأريخ الجيولوجي ¸الجيوكرونولوجيا· الذي يبحث في تحديد عمر وتأريخ الأرض وأقسامها.
علم الأرصاد الجوية هو دراسة جو الأرض والظروف التي تنتج الطقس. ويحاول المختصون في الأرصاد الجوية توقع الظروف الجوية، ويعملون على تطوير أجهزة محسنة لتجميع المعطيات حول الجو، كما يبحثون أيضاً عن تقنيات أفضل لجعل التنبؤ بالطقس أكثر دقة. ويحلل علماء المناخ اتجاهات الطقس لتحديد نمطه العام الذي يشكل مناخ منطقة معينة.
علم الفيزياء يُعنى بالمادة والطاقة. ويدرس الفيزيائيون (علماء الطبيعة) الميكانيكا والحرارة والضوء والصوت والظواهر الكهربائية والمغنطيسية وصفات المادة. ويتعلق علم الفيزياء الذرية بدراسة بنى الذرات وصفاتها. ويركّز علم الفيزياء النووية على بنية نوى الذرات وسلوكها. ويتعامل علم فيزياء الجسيمات مع طبيعة الإلكترونات والبروتونات وأجزاء المادة الدقيقة الأخرى التي هي أصغر من النوى الذرية. ويدرس علم التقريس سلوك المادة عند درجات الحرارة المنخفضة جدًا، بينما يدرس علم فيزياء البلازما سلوك الغازات المؤينة عند درجات حرارة مرتفعة جدًا. ويدرس علم فيزياء الحالة الصلبة صفات البلورات النقية لأقصى درجة والمواد الصلبة الأخرى.
علوم الحياة
وتسمى أيضًا العلوم الحيوية، أو علم الأحياء وتُعنى بدراسة الكائنات الحية. وهنالك مجالان رئيسان في علوم الحياة هما علم النبات الذي يتعامل مع النباتات، وعلم الحيوان الذي يتعامل مع الحيوانات. ويقسم كلّ من علمي النبات والحيوان إلى فروع إضافية مختلفة يمكن تقسيم كل منها أيضا إلى مجالات دراسة متخصصة. وتنطبق أغلب فروع علوم الحياة الرئيسية بشكل متساوٍ على كلٍ من الحيوانات والنباتات. وتتداخل العديد من الفروع كعلم التشريح وعلم وظائف الأعضاء بعضها مع بعض، وتُسهم بقدرٍ كبير في دراسة الطب.
علم التشريح يدرس بنى المخلوقات الحية. ويفحص المختصون في التشريح أجزاء الكائنات والكيفية التي ترتبط بها تلك الأجزاء مع بعضها. ويتعامل علم الأنسجة مع الأنسجة وعلم الخلايا مع البنى الدقيقة للخلايا المنفردة.
علم التشريح المقارن يدرس أوجه التشابه والاختلاف في بنية أجسام الحيوانات، ويُعطي إشارات عن الطريقة المحتملة التي تطورت بعض الحيوانات من خلالها.
علم وظائف الأعضاء يُعنى بالوظائف الطبيعية للمخلوقات الحيّة وأقسامها. فعلى سبيل المثال، يدرس المختصون في هذا العلم الكيفية التي تنقل بها الألياف العصبية النبضات والطريقة التي تتناول بها الكائنات الطعام وتستعمله. وتتناول الكيمياء الحيوية العمليات الكيميائية الداخلة في فعاليات أجزاء الحيوانات والنباتات المختلفة، ويتحرى علم الفيزياء الحيوية العمليات الفيزيائية التي تُسهم في أداء أجزاء المخلوقات الحيّة المختلفة.
الفروع الأخرى
يُعنى علم الوراثة بالطريقة التي تُورثُ بها النباتات والحيوانات صفاتها إلى ذريّتها. ويدرس علم الأحياء الجزيئية بنية البروتينات والجزيئات الكبيرة الأخرى الضرورية للحياة ووظائفها، بينما يتحرى علم الإِحاثة أشكال الحياة التي كانت موجودة في عصور ما قبل التاريخ. ويقوم علم التصنيف بتصنيف المخلوقات الحية. أما علم الأحياء الاجتماعي فيتعامل مع الأساس الأحيائي للسلوك الاجتماعي للبشر والحيوانات الأخرى. ويركز علم البيئة على العلاقات بين الكائنات الحية من جهة وبينها وبين بيئتها من جهة أخرى.
وتركز بعض علوم الحياة على أنواع معينة من الكائنات. فعلى سبيل المثال، يختص البكتريولوجيا بدراسة البكتيريا والجراثيم، ويُعنى علم الطيور بدراسة الطيور. وتدرس بعض علوم الحياة الأخرى الكائنات التي تعيش في بيئةٍ معينةٍ، إذ يدرس علم الأحياء البحرية، على سبيل المثال، النباتات والحيوانات البحرية.
العلوم الاجتماعية تتعامل مع الأفراد والمجموعات والمؤسسات التي تكوّن المجتمع الإنساني. وهي تُركز على العلاقات الإنسانية والتفاعلات بين الأفراد وعوائلهم، وعلى المجموعات الدينية أو العرقية، وعلى المدن والحكومات والمجموعات البشرية الأخرى. ويحاول علماء الاجتماع تطوير قوانين عامة للسلوك الإنساني. ولكن مهمتهم صعبة لصعوبة تصميم تجارب مُتحكّم فيها تشتمل على كائنات بشرية. لذلك فإن على علماء الاجتماع أن يعتمدوا كثيرًا على المشاهدات الدقيقة والتجميع المنتظم للمعلومات بغية التوصل إلى استنتاجاتهم. ويُعدّ استعمال النماذج الإحصائية والرياضية أمرًا مهمًا في تحليل المعلومات وتطوير النظريات في العلوم الاجتماعية. وتضم الفروع الرئيسة في العلوم الاجتماعية:1- علم الإنسان 2- علم الاقتصاد 3- علم السياسة 4- علم النفس 5- علم الاجتماع.
علم الإنسان يُعنى بأصل وتطور الحضارات الإنسانية والصفات الجسدية البشرية. ويدرس علماء علم الإنسان مجموعات البشر المختلفة لتحديد التشابُه والاختلاف فيما بينها. فهم يقارنون الفنون والمعتقدات والعادات والحياة اليومية والاختراعات واللغات والعلاقات الاجتماعية وقيم الحضارات المختلفة. ويتابع علم الآثار التطور الحضاري من خلال دراسات الأدوات التي صنعها الإنسان القديم واستعملوها.
علم الاقتصاد يعنى بالكيفية التي يُنتج بها الناس السلع والخدمات، وطريقة توزيعها بينهم، وسبل استعمالها. ويتعامل الاقتصاديون مع المشاكل الناشئة في مجالات مثل علاقات الإدارة بالعمال، وتحديد الأجور والأسعار، واستعمال المصادر الطبيعية. ويستعملون الحواسيب والتحليل الإحصائي لبناء النماذج الرياضية التي تُمكنهم من تحديد الطريقة التي تعمل بها الأنظمة الاقتصادية المختلفة، وللتنبؤ بتأثير التغيرات في الأنظمة.
علم السياسة يدرس أشكال الحكومة والأحزاب السياسية وجماعات الضغط والانتخابات وجوانب السياسة الأخرى. ويحاول علماء السياسة تطوير نظريات عن القوة السياسية والسلوك. ويسعون للتعرُّف على أنواع الحكومات التي يمكن أن تقدم أقصى المنافع للناس في ظل ظروف معينة. كما أنهم يقومون أيضًا باستطلاع الرأي العام.
علم النفس يُعنى بتفحص العمليات الذهنية والسلوك. ويدرس علماء النفس الوظيفيون كيفية عمل الأعصاب والدماغ. أما علماء النفس السلوكيون فيراقبون ويسجلون الطرق التي يرتبط بها الناس والحيوانات الأخرى بعضها مع بعض ومع البيئة. وهم يستعملون الطرق النظامية في دراسة أفكار الناس ومشاعرهم ومميزات شخصياتهم. كما يستكشف علماء النفس أيضًا أسباب الاضطرابات الذهنية وطرق العلاج الممكنة.
علم الاجتماع يدرس طبيعة المجتمع الإنساني وحياة الجماعة وأصلهما وتطورهما. ويبحث علماء الاجتماع في العلاقات المتبادلة بين الأفراد والجماعات في مجتمعٍ ما. ويدرسون المؤثرات الحضارية ومعايير السُّلوك والعوامل الأخرى التي يمكن أن تؤثر على الظروف الاجتماعية العامة، كما يستكشفون أيضاً أسباب الجريمة والطلاق والفقر والمشاكل الاجتماعية الأخرى.
كيف يعمل العلماء
البحث العلمي عملية إيداع يمكن أن تشتمل على أنواع مختلفة من الأساليب. ويحتمل أن تتحقق الإنجازات المهمة بفضل العمل الشاق الدؤوب أو شطحات الخيال المفاجئة، ويمكن حتى للمصادفة أن تؤدي دورًا مهمًا في العملية العلمية. فعلى سبيل المثال اكتشف السير ألكسندر فيلمنج، وهو عالم بكتريولوجيا بريطاني، البنسلين مصادفة عام 1928م، عندما لاحظ أن قطعة من عفن البنسيليوم لوثت صحنًا مخبرياً يحتوي على بكتيريا، وعندما تفحص الصحن، رأى أن البكتيريا حول العفن قد قتلت.
يستعمل العلماء العديد من الطرق أثناء قيامهم بالاكتشافات وتطوير النظريات، وتشمل هذه الطرق: 1- مشاهدات الطبيعة 2- تصنيف المعلومات 3- استعمال المنطق 4- إجراء التجارب 5- صياغة الفرضية (تفسير مقترح) 6- التعبير عن النتائج رياضيًا. ويتضمن معظم البحث العلمي بعض أو كل هذه الخطوات.
مشاهدات الطبيعة
تعدُّ إحدى أقدم الطرق العلمية. فعلى سبيل المثال، درس المصريون القدامى والبابليون حركات الأجرام السماوية، وبذلك تعلموا التنبؤ بتغيّرات الفصول، وأفضل الأوقات لزرع المحاصيل وحصادها. وفي الثلاثينيات من القرن التاسع عشر الميلادي، راقب تشارلز داروين بدقة النباتات والحيوانات في العديد من مناطق العالم أثناء عمله عالم طبيعة مع البعثة العلمية البريطانية على متن سفينة البحرية الملكية البريطانية بيجل. وقد ساعدت دراسة العينات التي جُمعت أثناء الرحلة داروين في تطوير نظريته التي تنص على أن الأنواع الحديثة قد تطورت من أنواع سابقة أقل عددًا.
تصنيف المعلومات
يمكن أن يكشف تصنيف المعلومات عن العلاقات بين الحقائق المُشاهدة. ففي أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، صنّف الكيميائي الروسي دمتري مندليف، العناصر إلى عائلات أو مجموعات في مخطط أطلق عليه اسم جدول العناصر الدوري. وعلى الجدول ظهرت العناصر ذات الصفات المتشابهة على مسافات منتظمة، ودلّت الفراغات الموجودة في الجدول على العناصر التي لم تكن معروفة. وقد برهن العلماء لاحقا على أهمية تصنيف مندليف النظامي، عندما اكتشفوا وجود عناصر جديدة، ذات خصائص كيميائية محددة ملأت الفراغات.
استعمال المنطق
يُمكّن المنطق العلماء من استنباط الاستنتاجات من المعلومات المتوافرة. ففي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، درس فيزيائي ألماني يدعى ولهلم وين العلاقة بين درجة الحرارة والطاقة التي تشعها المواد السائلة والمواد الصلبة المُسخنة. وبعد دراسته للعديد من الأمثلة المُحددة، لاحظ أن حاصل ضرب درجة حرارة المادة السائلة أو الصلبة المسخنة بالطول الموجي للإشعاع ذي الشدة القصوى عند درجة الحرارة تلك، ينتج دائمًا الرقم نفسه. ورغم أن وين لم يستطع فحص كل المواد الصلبة أو السائلة، إلا أنه استعمل المنطق الاستقرائي كي يستنتج أن هذا الرقم ثابت عام، بذات القيمة لكل المواد السائلة والصلبة المُسخنة بغض النظر عن تركيبها الفيزيائي والكيميائي.
إجراء التجارب
يُعدّ وسيلة رئيسية في تطوير النظريات العلمية واختبارها. ويعد الرازي وابن الهيثم ومن بعدهما جاليليو من أوائل العلماء الذين أدركوا أن التجريب النظامي يمكن أن يساعد في الكشف عن قوانين الطبيعة. ففي أواخر القرن السادس عشر الميلادي، شرع جاليليو في إجراء تجارب مصممة بدقة لدراسة خصائص المادة الأساسية أثناء حركتها. ومن خلال دحرجة كرات ذات أوزان مختلفة أسفل سطوح مائلة، اكتشف أن كل المواد تسقط إلى الأرض بذات التسارع (معدل الزيادة في السرعة)، ما لم تبطئها مقاومة الهواء أو قوة أخرى. وفي أوائل القرن السابع عشر الميلادي، استعمل وليم هارفي، وهو طبيب إنجليزي، الطريقة التجريبية للتعرُّف على كيفية دوران الدم خلال الجسم، وقام بدراسات دقيقة عن نبض الدم ونبض القلب عند البشر، وشرح جثثًا بشرية وحيوانية بغرض فحصها. واستنتج هارفي أن القلب يضخ الدم خلال الشرايين إلى كل أنحاء الجسم، وأن الدم يعود إلى القلب خلال الأوردة.
صياغة الفرضية
تتطلب صياغة الفرضية موهبة ومهارة وإبداعًا. ويستند العلماء في تفسيراتهم المقترحة على المعلومات المتوافرة، ويسعون لصياغة فرضيات يُمكن أن تُساعد في تفسير أو ترتيب أو توحيد الحقائق المترابطة. ثم يستعملون بعد ذلك التجريب، وأية وسائل أخرى للتأكد من صحة فرضياتهم. وقد نتج اكتشاف الكوكب نِبْتُون في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي صياغة فرضية؛ إذ لاحظ الفلكيون أن الكوكب أورانوس، الذي عدّوه أبعد الكواكب، لم يكن دوماً في الموقع الذي توقعته قوانين الجاذبية والحركة. استنتج بعض الفلكيين أن القوانين لا تصح عند مثل هذه المسافات الكبيرة من الشمس. ولكن آخرين افترضوا أن التغيرات في مدار أورانوس قد تكون نتيجة لقوة جذب من كوكب مجهول، وبحساب الموقع المحتمل لمثل هذا الكوكب كي يؤثر على المدار، اكتشف الفلكيون في النهاية كوكب نبتون.
التعبير عن النتائج رياضيًا
يمكن أن يقود التعبير عن النتائج رياضيًا إلى نظرات عميقة قيمة حول الطريقة التي يعمل بها العالم. استعمل جاليليو الرياضيات في وصف نتائج تجاربه المتعلقة بالأجسام الساقطة، وفي تحديد المسافة التي يقطعها جسم ساقط خلال فترة زمنية معينة. وقد طور العالم الإنجليزي إسحق نيوتن في القرن السابع عشر الميلادي، نظرية رياضية للجاذبية فسرت العديد من أنواع الحركة على الأرض وعلى مدى الكون. وفي أوائل القرن العشرين الميلادي، وجد الفيزيائي الألماني المولد ألبرت أينشتاين أن الكتلة ترتبط بالطاقة وفق المعادلة: ط= ك س². وتنص المعادلة على أن الطاقة (ط) تساوي حاصل ضرب الكتلة (ك) في مربع سرعة الضوء (س²). وقد أصبحت هذه المعادلة لاحقًا الأساس لتطوير الطاقة النووية.
نبذة تاريخية
منذ أقدم الأزمان، كان الفضول ينتاب البشر بشأن العالم الذي يحيط بهم. وقبل بزوغ الحضارة بآلاف السنين، تعلم الناس الإحصاء، وحاولوا تفسير ظواهر شروق الشمس وغروبها وحالات القمر. ودرسوا عادات الحيوانات التي يصطادونها، وعرفوا أن بعض النباتات يمكن أن تستعمل أدوية، واكتسبوا بعض المعارف الأساسية الأخرى من الطبيعة. هذه الإنجازات كانت مؤشر بداية العلم، وكانت من بين المحاولات الأولى لفهم الطبيعة والسيطرة عليها. وبشكل عام، كانت الرياضيات والطب من أوائل العلوم التي تطورت، وتبعتها العلوم الطبيعية وعلوم الحياة والعلوم الاجتماعية.
الحضارات المبكرة
تعاملت العلوم التي طوّرتها شعوب الحضارات الأولى بشكل رئيسي مع الأمور العلمية. فعلى سبيل المثال، استعملت الرياضيات لتسجيل المعاملات التجارية والحكومية، بينما وفرّ علم الفلك الأساس لمعرفة الوقت وتحديد مواسم زرع المحاصيل وحصادها. وقد درس المصريون في فترة مبكرة تعود إلى 3000 قبل الميلاد، السماء للتنبؤ بحلول الفصول وحساب موعد حدوث فيضان نهر النيل السنوي. كما استعمل المصريون الهندسة لتحديد خطوط الملكية وإجراء القياسات التي احتاجوا إليها لبناء أهرامات ضخمة، كما عرفوا بعض علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء والجراحة، واستخدموا ذلك في تحنيط موتاهم.
وفي بابل القديمة، استعمل الناس نظامًا للإحصاء يتكون من مضاعفات الرقم 60، وهذا هو أساس الدائرة التي تتكون من 360 درجة، والساعة التي تتكون من 60 دقيقة. كما فهموا الكسور والتربيع والجذور التربيعية، وطوروا أيضًا نماذج رياضية معقدة لحركة الكواكب والأجسام السماوية الأخرى. وقد مكنتهم مشاهداتهم التفصيلية للسماء من توقّع الكسوف الشمسي والخسوف القمري والظواهر الفلكية الأخرى.
نشأت الحضارتان الصينية والهندية بعد فترة قصيرة من الحضارتين المصرية والبابلية. وبحلول القرن الرابع قبل الميلاد، رسم الصينيون خرائط النجوم الرئيسية في السماء، ونجحوا في توقع الكسوف والخسوف شأنهم شأن البابليين. وكان للصينيين القُدامى نظامهم الرياضي الخاص. كما أنهم طوروا علاج الوخز بالإبر ومهارات طبية أخرى تناقلوها إلى عصرنا الحالي دون تغيير يُذكر. وتعامل الطب في الهند القديمة مع الوقاية وعلاج الأمراض على حد سواء. وأجرى الجراحون العرب والمسلمون العديد من العمليات الجراحية بما في ذلك عمليات العيون والجراحة التجميلية، كما اخترع الرياضيون العرب الصفر وطوروا الأرقام الهندية العربية التي نستعملها الآن.
كان لأقدم الحضارات المتطورة في الأمريكتين معرفة عملية بعلم الفلك والرياضيات. ومن أولى الحضارات الرئيسية حضارة هنود الأولمك في المكسيك، الذين طوروا نظامًا للعدْ وتقويمًا يمتد بين عامي 1200قبل الميلاد وعام100قبل الميلاد. وبحلول عام 250 ميلادي تقريبًا، كان المايا في أمريكا الوسطى والمكسيك يدرسون حركات الشمس والقمر والنجوم والكواكب من مراصدهم، واستعملوا معرفتهم الفلكية كي يطوروا التقويم في المجالين الديني والمدني، كما كان لهم نظام رياضي متقدم.
وخلال القرن الخامس عشر الميلادي، حكم هنود الأزتك في المكسيك وهنود الإنكا في بيرو إمبراطوريات قوية. وتمثل النقوش التي تركها الأزتك على صخر التقويم المشهور حركات الأجسام السماوية المنتظمة، فضلاً عن الرموز الدينية والرموز الدالة على أيام الشهر. واستعمل الإنكا الرياضيات فى إنشاء البنايات والطرق.
اليونان القديمة. ترك الإغريق أعظم تراث علمي من بين كل الشعوب القديمة؛ إذ أكدوا على تطوير نظريات عامة عن الكيفية التي يعمل بها العالم، وكانوا أول من بدأ، على نحوٍ مُنظم، فصل الأفكار العلمية عن الخرافات.
في نحو عام400 قبل الميلاد، ذكر طبيب إغريقي يُدعى أبقراط أن للأمراض أسبابًا طبيعية، وأن بمقدور الجسم أن يداوي نفسه. وكان أول طبيب عَرَف أنّ الطب علم منفصل عن الخرافات. وخلال القرن الرابع قبل الميلاد، درس أرسطو، الذي كان أحد أشهر الفلاسفة الإغريق، العديد من مجالات العلم. وقد جمع أرسطو قدرًا هائلاً من المعلومات عن تنوع الحيوانات والنباتات وبنيتها وسلوكها، وأظهر الحاجة إلى تصنيف المعرفة وأدرك أهمية المراقبة. كما أنه طوّر المنطق الاستدلالي وسيلة للتوصل إلى الاستنتاجات.
كانت الرياضيات الإغريقية أكثر تطورًا من رياضيات أية حضارة قديمة أخرى. وأصبح الإغريق أول الأقوام الذين فصلوا الرياضيات عن استعمالاتها التطبيقية البحتة، وطوروا طرقًا مُنتظمة للاستنتاج بغية البرهنة على صحة العبارات الرياضية. وبحلول عام 300 قبل الميلاد، كان طاليس وفيثاغورث وإقليدس ورياضيون إغريق آخرون قد ارتقوا بالهندسة باعتبارها نظامًا منطقيًا منفردًا إلى درجة الاكتمال. وكان الإغريق يؤمنون بأن دراسة الرياضيات يمكن أن تنتج معرفة أزلية ومؤكدة بشكل مطلق. فعلى سبيل المثال، ما إن تتم البرهنة على صحة مبدأ من مبادئ الهندسة، حتى يبقى كذلك طوال الوقت.
كان لبعض علماء الإغريق اهتمام بالأمور العملية؛ فخلال القرن الثالث قبل الميلاد، على سبيل المثال، أجرى الرياضي والمخترع الإغريقي أرخميدس تجارب اكتشف من خلالها قوانين الذراع الرافعة والبكرة. وقد أدت هذه الاكتشافات إلى صنع آلات تستطيع بسهولة تحريك أحمال ثقيلة.
رسم الإغريق خرائط للنجوم، وقاسوا حجم الأرض بدقة مدهشة. واستعمل الفلكيون الدائرة التي عدّوها الشكل الرياضي الأكمل، باعتبارها أنموذجًا للسماء. وقد استنبطوا العديد من النماذج الرياضية والأنظمة الآلية التي فسّرت حركات الكواكب بدلالة المسارات الدائرية. وفي القرن الثاني الميلادي، قدم بطليموس ـ أحد أشهر الفلكيين في العصور القديمة ـ أفكاره ولخص أفكار الفلكيين الإغريق الأوائل في كتاب المجسطي. وفي هذا الكتاب، ذكر بطليموس أن الشمس والكواكب تتحرك حول الأرض في مدارات دائرية. وقد تبنى الفلكيون صورًا معدلة من نظرية بطليموس حول مركزية الأرض في الكون لأكثر من 1400 سنة.
ورغم أن الإغريق القُدامى حققوا العديد من الإنجازات العلمية المهمة، فإن طريقة تعاملهم مع العلم كانت تُعاني شيئًا من القصور؛ بسبب اعتقادهم أن الرياضيات معرفة صادقة وثابتة على نحو أزلي. لم يلاحظ الإغريق قط أنها يمكن أن تُستعمل في تحليل فيزياء الحركة وصفات الطبيعة الأخرى التي تتغير دومًا. كما أنهم لم يكتشفوا أهمية هذه المشاهدات بشكل نظامي. وكان العديد من استنتاجاتهم زائفاً؛ لأنها استندت إلى البديهة الصائبة بدلاً من التجارب. فعلى سبيل المثال، ظنّ أرسطو خطأ، اعتمادًا على البديهة الصائبة، أن الأجسام الثقيلة تسقط نحو الأرض أسرع من الأجسام الخفيفة.
روما القديمة
بحلول القرن الثاني الميلادي، أخضعت روما معظم مناطق العالم المعروفة آنذاك لسيطرتها، بما في ذلك مناطق الحضارة الإغريقية. وكان الرومان معماريين ومهندسين وبنائين ممتازين، ولكنهم لم يسهموا إلا قليلاً في العلم النظري. فتحت الحكم الروماني استمر الدارسون بقبول المعرفة العلمية الإغريقية، وكان العديد من الأطباء الرومان من العالم الناطق بالإغريقية. كما وظّف الرومان مدرسين إغريق، أو أرسلوا أطفالهم إلى أثينا أو إلى مراكز التعلم الإغريقية الأخرى للتعلّم المتقدم.
ورغم أن الرومان أنفسهم لم يحققوا إلا القليل من الاكتشافات العلمية، إلا أن موسوعات ضخمة عن المعرفة العلمية كُتبت تحت حكمهم. ففي عمل يتكون من 37 مجلدًا يُدعى التاريخ الطبيعي جمع الكاتب الروماني بليني الأكبر المعرفة العلمية في عصره. كما وصف جغرافي ومؤرخ إغريقي يُدعى سترابو كل أنحاء العالم الأرضي المعروف في كتابه الجغرافيا الذي يقع في 17 مجلدًا.
وطوّر الطبيب الإغريقي جالينوس الذي مارس الطب في روما خلال القرن الثاني الميلادي، أول نظريات طبية مبنية على تجارب علمية. وقد شرّح جالينوس جُثث الحيوانات بغرض دراستها، وساعد كثيرًا في تقدُّم علم التشريح. ومع ذلك، كان لديه العديد من الأفكار الخاطئة حول طريقة عمل الجسد البشري.
تطور العلم من القرن 5 الى 18
العصور الوسطى
مثّلت فترة زمنية مدتها ألف عام في التاريخ الأوروبي ابتدأت من القرن الخامس الميلادي. وطوال مئات السنين من بداية هذه الفترة، لم يحدث إلا القليل من البحث العلمي في أوروبا. وكان معظم الدارسين يولون اهتمامًا لعلم اللاهوتـ أكثر من اهتمامهم بدراسة الطبيعة. وقد اعتمدوا على الكتابات الإغريقية والرومانية للحصول على المعلومات العلمية، ولم يكونوا في حاجة إلى قيامهم بمشاهدات. وكان أرسطو وإِقليدس وجالينوس وبطليموس الثقات المعتمدين في العلم. ولكن العديد من الأعمال القديمة التي استعملها الدارسون الأوروبيون في العصور القديمة لم تُحفظ جيدًا. وارتكبت العديد من الأخطاء أثناء عمليات النسخ، ولُخصت محتويات الأعمال على نحو غير دقيق في كثير من الأحيان.
العلوم عند العرب والمسلمين
خلال فترة العصور الوسطى، حفظ العرب والمسلمون الكثير من العلوم القديمة للإغريق والرومان، إذ ترجموا بدقة العديد من المؤلفات الإغريقية والرومانية إلى اللغة العربية، ومن خلال فتوحاتهم، أصبحوا على اتصال مع علم الفلك والتأريخ والطب الفارسي، ومع نظام الأرقام الهندي والنظام الرقمي العشري.
كما حقق العلماء العرب والمسلمون مساهمات مهمة في علم الفلك والرياضيات والطب والبصريات والعلوم الأخرى، وقام عالم الرياضيات العربي الخوارزمي بتنظيم علم الجبر وتوسيعه في أوائل القرن التاسع الميلادي، كما ألف ابن سينا، الطبيب العربي الذي عاش بين أواخر القرن العاشر ومطلع القرن الحادي عشر الميلاديين، موسوعة مشهورة عنوانها القانون في الطب، أجملت المعرفة العلمية في ذلك العصر، ووصفت بدقة التهاب السحايا والكزاز والعديد عن الأمراض الأخرى. وخلال مطلع القرن الحادي عشر الميلادي، أدرك الفيزيائي العربي الحسن بن الهيثم أن الإبصار ينتج عن انعكاس الضوء من الأجسام إلى داخل عيوننا. ووصف العين وصفًا دقيقًا واكتشف قوانين انعكاس الضوء وانكساره. ويعتبر ابن الهيثم منشئ علم البصريات الحديث، ولقد ظل كتابه المناظر المرجع الأساسي للبصريات لعدة قرون. وطور العرب والمسلمون الطريقة العلمية التجريبية واستخدموها بنجاح في دراسات الفيزياء والفلك والطب والكيمياء.
وخلال القرن الحادي عشر الميلادي، ابتدأ الدارسون الأوروبيون في إظهار اهتمام متجدد بالعلم، وأدخلت العديد من الأعمال العربية العلمية إلى أوروبا وتُرجمت إلى اللغة اللاتينية التي كانت لغة التعلم في الغرب، كما انتشر نظام الأرقام الهندي العربي في أوروبا، حيث حفّز تطوّر الرياضيات، وأخذ باستخدامه في الأعمال التجارية. وشرع بعض رجال اللاهوت في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، مثل الفرنسي بيتر أبيلارد والإيطالي توما الأكويني في بذل جهود منظمة لجعل التعاليم المسيحيه في تجانس مع الأفكار العلمية التي أعيد اكتشافها. وخلال القرن الثاني عشر الميلادي، أُسّست أولى الجامعات الأوروبية. وبمرور الوقت، قدر للجامعات أن تؤدي دورًا أساسيًا في تطور العلم.
غير أنه لم يتحقق إلا القليل نسبياًمن الإنجازات الطبية في أوروبا خلال العصور الوسطى. واعتمد الأطباء على تعاليم جالينوس بدلاً من القيام باكتشافات جديدة اعتمادًا على مشاهداتهم ودراساتهم. وكانت الأوبئة تكتسح أوروبا كثيرًا. ففي أواسط القرن الرابع عشر الميلادي، على سبيل المثال، قضت موجة رهيبة من الطاعون الدَّبلي أُطلق عليها اسم الموت الأسود، قضت على ربع سكان أوروبا. واستمر العديد من الأوروبيين معتمدين على السحر أو الشعوذة في معالجة الأمراض أو الوقاية منها.
نهضة العلم
ابتدأت في أوروبا عام 1543م بطبع كتابين دحضا التقاليد العلمية السائدة. كتب أحدهما الفلكي البولندي نيكولاس كوبرنيكوس، وكتب الثاني أندرياس فزاليوس، وهو عالم تشريح ولد في ما يُعرف الآن باسم بلجيكا.
تحدّى كتاب كوبرنيكوس المعنون حول دوران الأجرام السماوية وجهة نظر بطليموس التي مفادها أن الأرض هي مركز الكون. وكانت نظرية بطليموس التي تقضي بمركزية الأرض تتطلب سلسلة معقدة من الحركات الدائرية كي تفسر مشاهدات الفلكيين بصدد الطريقة التي تتحرك بها الكواكب. فقد أدرك كوبرنيكوس أنه إذا كانت الأرض والكواكب الأخرى تدور حول الشمس، فإن ترتيبًا أقل تعقيدًا من الدوائر يُمكن أن يفسر حركة الكواكب المنظورة. ولكن نظريته المتعلقة بمركزية الشمس لم تحدّد بدقة حركات كل الكواكب.
وخلال القرن السادس عشرالميلادي، راقب فلكي دنماركي يُدعى تيخو براهي حركات الكواكب بدقة تجاوزت أية مرحلة سابقة. وقد مكّن عمل براهي، الفلكي وعالم الرياضيات الألماني يوهانز كيبلر من أن يقدّم تأييدًا جديدًا لنظرية مركزية الشمس عام 1609م. استعمل كيبلر حسابات معقدة ليُظهر أن النظرية يمكن أن تفسر حركات الكواكب إذا كانت تدور حول الشمس في مسارات بيضية بدلاً من المسارات الدائرية. ويسهل الشكل البيضي للمدارات أيضًا تفسير حركات الكواكب. وقد مثل عمل كيبلر بداية علم الفلك الحديث.
والكتاب الثاني الذي دحض العرف السائد وطُبع عام 1543م هو كتاب فزاليوس المعنون حول بنية الجسم البشري. عرض فزاليوس في هذا الكتاب بشكل مفصل المعرفة الأكثر دقة في تلك الأيام لعلم التشريح. وقد اعتمد في كتابه على المشاهدات التي أجراها أثناء تشريح الجثث البشرية، وحلّ كتابه تدريجيًا محلّ كتب جالينوس وابن سينا.
الثورة العلمية
في أواخر القرن السادس عشر ومطلع القرن السابع عشر الميلاديين، أدرك الدارسون والعلماء على نحو متزايد أهمية التجريب والرياضيات في التقدم العلمي. وقد ساعد هذا الإدراك في تحقيق الثورة العلمية، إذ شدد العالم الإيطالي العظيم جاليليو على الحاجة إلى التجارب المتحكم فيها بدقة. واستعمل جاليليو في أبحاثه المشاهدة والتحليل الرياضي أثناء بحثه عن علاقات السبب والأثر بين الأحداث الطبيعية. وأدرك جاليليو أن التجريب يمكن أن يؤدي إلى اكتشاف مبادئ جديدة. فعلى سبيل المثال، ذكر أرسطو أنه كلما ازداد ثقل الجسم، ازدادت سرعة سقوطه باتجاه الأرض. وشكك جاليليو في هذه الفكرة، وقام ببعض التجارب بغية العثور على القوانين الصحيحة لسقوط الأجسام، وبرهن على خطأ أرسطو. ومن خلال التجريب، اكتشف جاليليو العديد من المبادئ الأساسية في علم الميكانيكا.
كما أدرك جاليليو أيضًا الحاجة إلى توسيع مدى الحواس الإنسانية وقدراتها باستعمال الأجهزة العلمية، وطوّر أجهزة كالساعة والتلسكوب. وباستعمال التلسكوب عثر جاليليو على دليل مُقنع يؤيد نظرية مركزية الشمس لكوبرنيكوس.
هناك عالم متميز آخر من القرن السابع عشر هو الإنجليزي السير إسحق نيوتن. استعمل نيوتن اكتشافات الآخرين كي يطور نظرة موحدة عن قوى الكون في كتابه المبادئ الرياضية (1687م)، فصاغ قانون الجاذبية الكونية، وأظهر أن الأجسام الأرضية والسماوية تتبع هذا القانون. وأدت دراساته عن العدسات والموشورات (المنشورات)، إلى تطوير كبير في الدراسات الحديثة في البصريات. وطوّر كلّ من نيوتن وغوتفريت فلهلم لايبنيز، وهو فيلسوف ألماني، على انفراد، نظاماً جديدًا للرياضيات هو حساب التفاضل والتكامل.
امتدت الثورة العلمية أيضًا إلى العديد من مجالات العلم الأخرى. فقد ابتدأ علم وظائف الأعضاء الحديث في أوائل القرن السابع عشر بأعمال الطبيب الإنجليزي وليم هارفي الذي أجرى تجارب دقيقة، واستعمل رياضيات بسيطة لبيان طريقة الدورة الدموية في الجسم البشري. وفي منتصف القرن السابع عشر أصبح العالم الإنجليزي روبرت هوك أول رائد في استخدام المجهر في دراسة أنسجة الحيوانات والنباتات الدقيقة كاشفًا عن عالم الخلايا الجديد. وفي منتصف القرن السابع عشر أيضًا، ساعد العالم الأيرلندي روبرت بويل في تطوير الطرق التجريبية في الكيمياء، كما ابتدع العديد من الطرق الحديثة لتحديد التركيب الكيميائي للعديد من المواد.
وفضلاً عن الاكتشافات العلمية، ظهرت أفكار جديدة عن فلسفة العلم وأساليبه خلال القرن السابع عشر الميلادي إذ اقترح الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت أن تكون الرياضيات النموذج الذي يجب أن تحتذيه العلوم الأخرى كلها. واعتقد أن الرياضيات أدت إلى استنتاجات مؤكدة بشكل مطلق، لأن العملية الرياضية تبدأ بحقائق بسيطة وبديهية، ومن ثم تستعمل المنطق لتنتقل خطوة فخطوة، إلى الحقائق الأخرى.
عدَّ الفيلسوف ورجل الدولة الإنجليزي فرانسيس بيكون التجربة أهم مصدر للمعرفة. واعتقد أنه بجمع كل حقائق الطبيعة القابلة للمشاهدة، يستطيع المرء أن يكتشف القوانين التي تحكم الكون. وفي كتابه أطلنتس الجديدة (1627م)، رسم بيكون مؤسسة أبحاث مجهزة بالعديد من معدات العلم الحديث، بما في ذلك المختبرات والمكتبات والمطابع. وكانت أفكار بيكون مصدر إلهام في تأسيس الجميعة الملكية في لندن عام 1660م، وأكاديمية العلوم في باريس عام 1666م. وكانت هاتان الجمعيتان من بين أوائل المؤسسات التي كان هدفها الرئيسي تطوير العلم.
ساند بعض رجال اللاهوت الأوروبيين العلم في القرن السابع عشر الميلادي؛ لأنهم اعتقدوا أنه يساعد في الكشف عن عجائب الخلق الإلهي، ولأنهم شعروا أن الاكتشافات العلمية يُمكن استعمالها للارتقاء بحياة البشر. ولكن العديد من رجال اللاهوت الآخرين كانوا منزعجين جدًا بسبب تطوير القوانين العلمية التي بدت وكأنها تتحكم في العالم الطبيعي. وقد عارض هؤلاء نظرية مركزية الشمس، وأدانوا الأفكار العلمية الأخرى التي اعتقدوا أنها تناقض المعتقدات التقليدية حول الإنسان وموقعه في الكون.
عصر العقل
ويسمى هذا أيضًا عصر التنوير، وهو حركة فلسفية أثّرت تأثيرًا كبيرًا في تطور العلم خلال أواخر القرن السابع عشر، و القرن الثامن عشر الميلاديين. أصر زعماء هذه الحركة على أن استعمال العقل هو الطريقة الفضلى لتعرف الحقيقة. وشعروا أن كل شيء في الكون إنما يعمل وِفق نواميس بسيطة يمكن التعبير عنها رياضيًا. ولقد طور فلاسفة عصر العقل العديد من قواعد الدراسة العلمية التي ماتزال مستخدمة.
بذلت جهود حثيثة أثناء عصر العقل لنشر نتائج البحث العلمي في تلك الفترة؛ إذ جمع العديد من الدارسين هذه المعرفة ونظموها ونشروها. وأكثر الأعمال المرجعية شهرة الموسوعة الفرنسية التي حررها الكاتبان الفرنسيان دينيس ديدرو وجان دالمبير، وتقع في 28 مجلدًا. احتوت الموسوعة الفرنسية على مقالات تتعلق بجزء كبير من العلم والتقنية في عصرهما.
من الإنجازات العلمية الرئيسية في القرن الثامن عشر الميلادي تطوير الكيمياء الحديثة، إذ طور العلماء التقنيات اللازمة لعزل الغازات في حالاتها النقية ودراستها. واكتشفوا العديد من المواد الكيميائية ومن بينها الكلور والهيدروجين وثاني أكسيد ال